أيمن شاكر يكتب : آخر نَفَس ... هل سيكون غدًا ؟ رحلة نحو خاتمة لا نندم عليها

 بقلم الكاتب الصحفى أيمن شاكر 

رئيس قسم الأدب ✍🏻 



تخيّل للحظة : ذلك النَّفَس الذي تطلقه الآن ، بكل بساطته واعتياديته ، قد يكون الأخير . الفاصل الزمني بين هذه اللحظة واللحظة التي يتوقف فيها صدرك عن الارتفاع والهبوط ، قد يكون أقل من نبضة قلب . هذه الحقيقة المطلقة ، حتمية الرحيل ، تُلقي بظلالها على كل تفاصيل وجودنا ، وتجعل من السؤال التالي ضرورة مُلحة : على أي حال سنُفاجَأ حين ينقطع النَّفَس ؟




لا نختار توقيت رحيلنا. قد نغادر ونحن في قمة نجاحنا ، أو في خضم أزمة ، أو في لحظة هدوء عابرة. وقد نغادر ، لا سمح الله ، ونحن :




* قد أغضبنا أهلنا أو والدينا : بكلمة جارحة لم نعتذر عنها ، بغضب متبقٍ في القلب لم نُصلحه ، بتقصير في حُقوقهم لم نُسدِّده . فتتحول آخر ذكرياتهم بنا إلى ألم ، ويظل حمل الذنب يرافق رحيلنا.




* قد ظلمنا صديقًا أو موظفًا أو زميلًا : بظلمٍ في حق ، بغشٍّ في معاملة، بكلمة ظالمة أهدرنا بها كرامته ، بوعدٍ أخلفناه فخيّبنا أمله. فنرحل ونحن نترك وراءنا جرحًا لم نُداويه، وعدالة لم نُقمها.




* قد تترافق آخر أنفاسنا مع غيبة أو نميمة أو فساد :


 في لحظة غفلة، نُطلق لساننا بالسوء عن الآخرين، أو نُشجع منكرًا، أو نُساهم في إفساد. فتكون خاتمتنا مشوبة بالخطيئة والإساءة.




* قد نغادر وفي رقابنا مظالم للعباد : مالٌ لم نرده لصاحبه ، حقٌّ لم نؤدِّه ، وعدٌ أخلفناه ، اعتداءٌ على مال أو عرض أو نفس لم نُحاسب عليه أو نعترف به. فتثقل كاهلنا تلك المظالم يوم الحساب ، وقبل ذلك ، تثقل ضميرنا في الحياة إذا تنبهنا.




هذه الاحتمالات المُظلمة ليست للتخويف المجرد ، بل هي جرس إنذار يُقرع في أعماق الوعي . إنها تذكير صارخ بأن "الموت لا يُعلن عن موعده" ولأننا لا نملك تأجيله أو اختيار ظروفه ، تبرز الحكمة العُظمى : أن نجعل من كل لحظة ، وكل موقف ، وكل نَفَس ، فرصةً للاستعداد لذلك اليوم المحتوم .




كيف نُحوِّل حياتنا إلى استعداد دائم ؟




١- التوبة المستمرة والمراجعة الدائمة : ليس التوبة من الكبائر فحسب ، بل من الصغائر ، من الغفلة ، من تقصير الحقوق ، من ضعف النية. المراجعة اليومية لأفعالنا وأقوالنا ، ومحاسبة النفس قبل أن تُحاسب ، ومصالحة الضمير مع ربه ومع خلقه "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا"




٢- إصلاح ما أفسدنا فورًا : لا تؤجل إصلاح ذات البين. لا تُرجئ الاعتذار لمن أخطأت في حقه ، خاصة الوالدين والأهل والأصدقاء ، لا تُؤخِّر رد المظالم أو المال المستعار أو سداد الديون .




بل سارع إلى تصحيح أي خطأ أو ظلم وقعت فيه ، مهما بدا صغيرًا. كل تأخير هو مخاطرة بأن يكون الوقت قد فات.




٣- النية الخالصة والعمل الصالح : اجعل نيتك في كل قول وفعل خالصة لله تعالى ، وابتغاء مرضاته . تحوَّل أعمالك اليومية في البيت ، العمل ، الشارع ، إلى عبادة بالنية الصادقة وحسن الأداء والأمانة ، عامل الناس بالعدل والرحمة والإحسان ، هذا هو رصيدك الحقيقي الذي لا يفنى .


٤- التحرز من اللسان : اللسان سريع الانزلاق. راقب كلماتك قبل أن تخرج. احجز لسانك عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش والسخرية المؤذية. تذكَّر أن آخر كلمة قد تلفظها قد تكون كلمة سوء تحملها إلى ربك. "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت".




٥- الاستغفار والذكر الدائم : اجعل الاستغفار حليفك في كل وقت. الذكر يربط القلب بالله، ويُنقي الروح ، ويُذكِّر بالآخرة. فهو درعٌ واقٍ من الغفلة ، وسفينة النجاة عند المعاصي.




٦- التعامل مع كل يوم وكأنه الأخير : ليس بمعنى اليأس والتواكل ، بل بمعنى الإحسان والإتقان. عامل والديك اليوم وكأنك لن تراهم غدًا. أدِّ عملك على أكمل وجه وكأنه آخر عمل تُسجِّل به. كن عادلاً مع من حولك وكأن هذه فرصتك الأخيرة لتحقيق العدل. أصلح علاقاتك كأنه لا وقت للانتظار.




إنَّ الخوف من أن يكون آخر نَفَسنا في لحظة معصية أو ظلم ليس تشاؤمًا ، بل هو يقظة الضمير ، وذروة المسؤولية. إنه الخوف الذي يُحرِّكنا نحو الخير ، ويُحفِّزنا لتصحيح المسار ، ويدفعنا لأن نكون على أفضل حال ممكنة في كل لحظة. إنها دعوة لأن نعيش حياتنا بنوع من "الطوارئ الأخلاقية" ، طوارئ لا تُلغي الحياة بل تُثريها بالمعنى والعمق والمسؤولية.




فلنبدأ الآن ، من هذه اللحظة بالذات. فلننظر إلى من حولنا :


هل هناك قلب جرحناه ؟


حقٌّ أضعناه ؟


وعدٌ أخلفناه ؟


مالٌ لم نرده؟


اعتذارٌ تأخرناه ؟


فلنسارع إلى الإصلاح ، ولنحاسب أنفسنا قبل أن نُحاسب ، ولننظف سجل أعمالنا قبل أن يُطوى. ولنجعل من نوايانا طاهرة ، ومن أعمالنا خالصة ، ومن كلماتنا طيبة.




💧فيا من تقرأ هذه الكلمات : انظر إلى صدرك وهو يعلو ويهبط ، هذا النَّفَس الذي بين يديك الآن ... قد لا يأتي الذي يليه .


فهل أنت مستعد ؟


هل سجلك نقيٌّ ؟


هل ضميرك مرتاح ؟


اغتنمه ... اغتنم هذا النَّفَس ، واجعله نَفَسَ توبة ، أو اعتذار ، أو إحسان ، أو ذكر ، اغتنمه ليكون خطوةً على طريق الخاتمة الحسنة. فلعلَّ هذا النَّفَس بالذات ... هو الآخِر. فلا تذهب وأنت نادم ، بل اذهب وأنت مُستعد ، مُ

صْلِح ، مُحْسِن . فلْيَكُنْ نَفَسُكَ القادم ... كأنَّه الأخير .




سنلتقى إن كان فى العمر بقيه


إرسال تعليق

أحدث أقدم