📰 د. محمد متولى محمد متولى يكتب:


 
📰 د. محمد متولى محمد متولى يكتب:

«قمة شرم الشيخ.. رؤية اقتصادية نحو سلام يقوم على الشفافية والتنمية»

في لحظة فارقة من التاريخ الإقليمي، جاءت قمة شرم الشيخ لتُعيد إلى الأذهان الدور المحوري الذي تلعبه مصر كقلبٍ نابض في محيطها العربي والإفريقي، وكمنصة للحوار والسلام والاستقرار.



هذه القمة لم تكن مجرد تجمع سياسي لمناقشة الأوضاع الراهنة، بل كانت – في جوهرها – قمة اقتصادية مالية بالمعنى العميق، لأن مستقبل أي سلامٍ حقيقي مرهون بقدرة الدول على بناء مؤسسات مالية قوية، تعتمد على الشفافية، الإفصاح، والحوكمة الرشيدة.

من هذا المنطلق، أؤكد – بوصفي أحد المهتمين بالبحث الأكاديمي في مجالات المحاسبة والمراجعة والإفصاح – أن قمة اليوم حملت رسائل متعددة، يمكن تلخيصها في أن الاقتصاد أصبح لغة السلام الحديثة، وأن التنمية المستدامة هي الضامن الحقيقي لاستقرار الشعوب.

🔹 أولًا: السلام لا يتحقق دون بنية مالية شفافة

لقد ناقشت القمة بوضوح أهمية الشفافية المالية في إدارة موارد الإعمار والمساعدات الدولية. فبدون نظم محاسبية دقيقة وإفصاح متكامل، تفقد المساعدات قيمتها وتضيع أهدافها.

إن تبنّي المعايير الدولية للإبلاغ المالي (IFRS) وتطبيق مبادئ الحوكمة في إدارة الأموال العامة، هو الطريق الأمثل لضمان الثقة الدولية في أي مشروع إعادة إعمار أو تنمية اقتصادية في مناطق الصراع.

فالسلام ليس مجرد اتفاق سياسي، بل عملية مالية محاسبية منظمة، تبدأ من توجيه الموارد وتنتهي بتقييم الأثر. وهنا يظهر الدور الحيوي للمحاسبين والخبراء الماليين كجنود مجهولين في بناء السلام الحقيقي.

🔹 ثانيًا: الذكاء الاصطناعي كأداة لضمان النزاهة المالية

لقد أصبح من الضروري أن تستفيد الحكومات والمنظمات من الذكاء الاصطناعي في التحليل المالي والرقابة المحاسبية.

فالأنظمة الذكية قادرة على تتبع تدفقات الأموال، واكتشاف التلاعب والفساد في الوقت الفعلي، مما يرفع من كفاءة الأداء ويُعزز ثقة الممولين الدوليين.

إن التحول الرقمي والحوكمة التكنولوجية هما الآن وجهان لعملة واحدة. ومن غير الممكن أن نتحدث عن تنمية مستدامة دون نظام مالي رقمي يعتمد على الشفافية، الدقة، والتحليل الفوري للبيانات.

🔹 ثالثًا: المحاسبة بوصفها علمًا لصنع السلام

قد يبدو للبعض أن المحاسبة علم مالي بحت، لكنها في الحقيقة علم إنساني وتنموي.

فعندما تتبنى الدول سياسات مالية قائمة على العدالة والإفصاح والمساءلة، فإنها تؤسس لسلام اجتماعي واتصادي طويل الأمد.

إن تطبيق الحوكمة المالية في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص على حد سواء، هو الضمان لعدم عودة النزاعات، لأن الشفافية تُنهي الجدل حول الموارد، وتُغلق أبواب الفساد والصراع.

🔹 وأخيرًا: قمة شرم الشيخ نموذجًا للقيادة المصرية الواعية

إن اختيار شرم الشيخ – مدينة السلام – لعقد هذه القمة ليس صدفة، بل هو رسالة تؤكد أن مصر قادرة على الربط بين الدبلوماسية السياسية والقيادة الاقتصادية.

فالسلام لا يُبنى فقط في قاعات المفاوضات، بل في الموازنات، والمحاسبة، والتخطيط المالي.

لقد أثبتت مصر في هذه القمة أنها لا تتحدث عن السلام بالكلمات، بل تبنيه بالأرقام، وتؤسسه على قاعدة شفافة من الإدارة المالية والتنمية المستدامة.

🖋️ عن الكاتب


د. محمد متولى محمد متولى

المدير التنفيذي لمؤسسة القادة للعلوم الإدارية بمركز أولاد صقر

عضو مجلس الشباب والخبراء المصري

باحث ماجستير في المحاسبة والمراجعة

مدرس مساعد بعدة جامعات ومعاهد عربية

عضو اللجنة العلمية لتحكيم الأبحاث بالمجلة الدولية للدراسات الكردية

إرسال تعليق

أحدث أقدم